الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية البورقيبيون الجدد ونهاية زمن الدساترة بقلم الإعلامي باسل ترجمان

نشر في  05 أوت 2015  (15:38)

بقلم الإعلامي باسل ترجمان

الذكرى الأولى لمولد الزعيم الحبيب بورقيبة بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة عكست صورة واقعية لحال المشهد السياسي في تونس بثرائه الحزبي وتنوعه وأظهرت حقائق كانت خافية ربما بسبب ظروف السنوات الثلاث الماضية التي شهدت انقساماً حاداً بين قوى الإسلام السياسي وحلفائها وبين القوى المناهضة لها والتي تجمّع جلها وراء صورة الزعيم وإرثه السياسي والاجتماعي الذي شكل وجه تونس بعد الاستقلال.

أمام ضريح الزعيم تقاطرت الوفود لتقرأ الفاتحة على روحه وتنوعت الصورة من أبناء مدينته التي مازالت قلعة البورقيبية في تونس إلى أناس بسطاء لا علاقة لهم بحسابات سياسية وصولا لمن يحاول أن يأتي ليتطهر من تاريخ قضاه معاديا لبورقيبة ويحاول أن يستنبط وجهاً جديداً لإعادة تسويق بضاعته السياسية التي فشلت في إقناع الناس بتيار المحبة الذي ينادي به.

في خضم المواكب المتناثرة يميناً ويساراً بين المتسابقين على الفوز بإرث بورقيبة وتأثيره الطاغي في الحاضر والمستقبل، غاب عن المشهد المهيب بقايا الدستوريين الذين فعلت بهم السنين فعلها ونسيت الناس أسماء ووجوه الكثير منهم بعد أن غابوا أو غُيبوا عن الساحة لأكثر من ربع قرن لم يمتلكوا خلالها القدرة أو الشجاعة على من تولى حصراً وكالة التاريخ والإرث نيابة عنهم.

الحضور الباهت لمن وصفوا أنفسهم قادة جدد للحركة الدستورية أضاف مسحة من الحزن على المشهد فمن توهموا أنهم زعماء وقادة المرحلة لم يكلفوا أنفسهم إصدار بيان بهذه الذكرى واكتفوا بالوقوف أمام الكاميرا ولم يعلموا أن الناس قد نستهم أو تناستهم في ظل زحمة الوجوه وغياب المعاني.

المحزن أن أنصار التجمع الدستوري الديمقراطي الذين لم يعرف الكثير منهم بورقيبة زعيماً ورئيساً بل عرفوه مما كان يُحكى عنه بعد نهاية زمانه ولم يكن ممكناً أن ينال أكثر مما يمكن تحمل تبعات وجوده الذي يشكل قلقاً مستمراً لأن الخائفين منه كانوا يخشون قدرته على قلب الأوضاع لو وصل للشارع والتقى بالناس، هؤلاء اليوم أكثر يُتماً من الدستوريين القدامى لا يعرفون لمن يكون الولاء لبورقيبة الذي لم يعرفوه أو لحزب انهار وتناثر وبقي أنصاره ممزقين بين قوة على الأرض تائهة لم تتعلم كيف تُنظم نفسها وتفكر في ظل غياب من يسيّرها ويحدد لها كيف تسير وفي ظل غياب وجودهم في الدولة التي كانت تسير بهدى التجمع.

الفراغ الذي تركه الورثة الأصليون للزعيم الحبيب بورقيبة فتح الباب لمحاولات الكثيرين النظر خاصة لأيتام التجمع الدستوري الديمقراطي كقطعة حلوى مغرية تستحق أن ينالوا منها ما يستطيعون والكل يعلم حجم وجودهم على الأرض وقدرتهم على الفعل وغياب من يحتضنهم ويبيعهم أوهام أنهم رجال الدولة ومشاريع قياداتها القادمة رغم كل الضغوط.

ورثة بورقيبة انقسموا بين ورثة الفكر المستنير والذين هم كثر في الشعب التونسي يجمعهم رابط المحبة له وتتقاسمهم هموم الحياة بعيداً عن السياسة وأولهم المرأة التي تعتبر أنها تعيش بحمايته المعنوية من غزوات الظلاميين، وبقايا طبقات اجتماعية تعتبر نفسها جزءا من رؤية بورقيبة التعليمية والثقافية التي حققت لتونس نهضة يصعب مقارنتها بالكثير من الدول التي عاشت نفس ظروف تونس بعد الاستقلال وبأوضاع اقتصادية أفضل.

البورقيبيون الجدد يُميزون أن لا علاقة لهم ببورقيبة فكراً أو حزباً بل يُنظرون بانتهازية سياسية مفرطة لكآبة أوضاع من تركهم التجمع بعد انهياره على قارعة الطريق وأزمة البحث عن أب حنون يحتضنهم ويعيد إليهم الأمل بغد قد يكون أفضل مما مضى.

بورقيبة لا يمثل للبورقيبين الجدد أكثر من فرصة لا تعوض في مساحة من الإحباط الملازم للكثيرين ممن كانوا يوماً في تفرعات الحزب الدستوري يسعون لركوبها على أمل تعويض قليل من فشلهم وخيبة املهم الذي اصطدم بحقائق الصورة السياسية بعد الانتخابات.

من باعوا الدستوريين والتجمعيين وهم أنهم ورثة بورقيبة خلال الحملة الانتخابية صدمتهم حقائق الصندوق وتحالفاته فوجدوا التفريط بهم أقل سوء من خسارة الكعكة في ظل استمرار اليسار في لعب دور الجالس على الربوة ينتظر أن تحمل له الأزمات المتتابعة الشعب ليسير وراءه في ثورة قرأ عنها الكثير لكنه لم يفهم أبدا معانيها.

ذكرى ميلاد بورقيبة كانت مناسبة جميلة لتكريم رجل عظيم أفسدها أن تحولت لمسابقة بين اللئام لنيل ما يستطيعون من لحم الأيتام، والمشكلة في الأساس ليست بمن تطاول على الحدث بل بمن لم يكونوا في مستوى الحدث والمسؤولية، والطامعون من هواة السياسة بالركوب على الحدث لم يشجعهم سوى أن هذا الإرث صار ساحة يصول فيها الصغار والأقزام.